الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الثعلبي: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق}.يعني هو قول الحق، وقيل: رفع على التكرير يعني ذلك عيسى ابن مريم وذلك قول الحق، وقيل: هو نعت لعيسى يعني ذلك عيسى بن مريم كلمة الله، والحق هو الله سبحانه.وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب قول بالنصب يعني قال قول الحق {الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ} يشكّون ويقولون غير الحق، فقالت اليهود: ساحر كذّاب، وقالت النصارى: ابن الله وثالث ثلاثة، ثمّ كذّبهم فقال: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} أي ما كان من صفته اتّخاذ الولد، وقيل: اللام منقولة يعني ما كان الله ليتخذ من ولد {سُبْحَانَهُ} نزّه نفسه {إِذَا قضى أَمْرًا} كان في علمه {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وَإِنَّ الله} يعني وقضى أن الله، وقرأ أهل الكوفة إنّ الله بالكسر على الاستيناف {رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا} الذي ذكرت {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} يعني النصارى، وانّما سمّوا أحزابًا لأنهّم تجزأوا ثلاث فرق في أمر عيسى: النسطورية والملكانيّة والمار يعقوبية.{فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} يعني ما أسمعهم وأبصرهم، على التعجّب، وذلك أنهم سمعوا يوم القيامة حين لم ينفعهم السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.قال الكلبي: لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر حين يقول الله سبحانه وتعالى لعيسى {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} الآية [المائدة: 116].{يَوْمَ يَأْتُونَنَا لكن الظالمون اليوم فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر} أي فرغ من الحساب وأُدخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار وذبح الموت {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} من الدنيا.أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان قال: أخبرنا مكّي بن عبدان قال: حدَّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: «يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنّة والنار فيقال: يا أهل الجنّة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت فيؤمر به فيذبح ثمّ ينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم. ثمَّ قرأ رسول الله صلى اللّه عليه وسلم {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} وأشار بيده في الدنيا».قال مقاتل: لولا ما قضى الله سبحانه وتعالى من تخليد أهل النار وتعميرهم فيها لماتوا حسرة حين رأوا ذلك.{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} أي نميتهم ويبقى الرب عزّ وجلّ فيرثهم.{وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فنجزيهم بأعمالهم.{واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا} مؤمنًا موقنًا صدوقًا {نَّبِيًّا} رسولًا رفيعًا {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ} آزر وهو يعبد الأوثان {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ} صوتًا {وَلاَ يُبْصِرُ} شيئًا {وَلاَ يُغْنِي عَنكَ} لا ينفعك ولا يكفيك {شَيْئًا} يعني الأصنام {يا أبت إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العلم} والبيان بعد الموت وأنّ من غيره عذّبه {مَا لَمْ يَأْتِكَ فاتبعني} على ديني {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} مستويًا.{يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان} لا تطعه، لم تصل، له ولم تصم وإنّ من أطاع شيئًا فقد عبده {إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيًّا} عاصيًا عاتيًا، وكان بمعنى الحال أي هو، وقيل بمعنى: صار.{يا أبت إني أَخَافُ} أعلم {أَن يَمَسَّكَ} يصيبك {عَذَابٌ مِّنَ الرحمن} لقوله: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ} [البقرة: 229] وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا} [البقرة: 229] وقيل: معناه إنّي أخاف أن ينزل عليك عذابًا في الدنيا {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} قرينًا في النار، فقال له أبوه مجيبًا له {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي ياإبراهيم} تارك عبادتهم وزاهد فيهم {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} لئن لم تسكت وترجع عن مقالتك {لأَرْجُمَنَّكَ} قال الضحاك ومقاتل والكلبي: لأشتمنّك، وقال ابن عباس: لأضربنّك، وقيل لأُظهرنّ أمرك {واهجرني مَلِيًّا} قال الحسن وقتادة وعطاء: سالمًا، وقال ابن عباس: واعتزلني سالم العرض لا يصيبنّك منّي معرّة، وقال الكلبي: اتركني واجتنبني طويلًا فلا تكلّمني، وقال سعيد بن جبير: دهرًا، وقال مجاهد وعكرمة: حينًا، وأصل الحرف المكث، ومنه يقال: تملّيت حينًا، والملوان الليل والنهار.{قَالَ} إبراهيم {سَلاَمٌ عَلَيْكَ} أي سلمت منيّ لا أصيبك بمكروه {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} قال ابن عباس ومقاتل: لطيفًا رحيمًا، وقيل: بارًّا، وقال مجاهد: عوّده إلاجابة، وقال الكلبي: عالمًا يستجيب لي إذا دعوته.{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} يعني وأعتزل ما تعبدون من دون الله، قال مقاتل: كان اعتزاله اياهم أنه فارقهم من كوثى فهاجر منها إلى الأرض المقدسة.{وَأَدْعُو رَبِّي عسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} يعني عسى أن يجيبني ولا يخيّبني، وقيل: معناه عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام.{فَلَمَّا اعتزلهم} ما تَدْعُون: تعبدون {مِن دُونِ الله} يعني الأصنام فذهب مهاجرًا {وَهَبْنَا لَهُ} بعد الهجرة {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًا جَعَلْنَا نَبِيًّا} يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب {وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا} نعمتنا، قال الكلبي: المال والولد، وقيل: النبوّة والكتاب، بيانه قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32].{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} يعني ثناءً حسنًا رفيعًا في كلّ أهل الأديان، وكلّ أهل دين يتولّونهم ويثنون عليهم.{واذكر فِي الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا} يعني غير مرائي، قال مقاتل: مسلمًا موحدًا، وقرأ أهل الكوفة: مخلَصًا بفتح اللام يعني أخلصناه واخترناه {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ} دعوناه وكلّمناه ليلة الجمعة {مِن جَانِبِ الطور الأيمن} يعني يمين موسى، والطور: جبل بين مصر ومدين {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} يعني رفعناه من سماء إلى سماء ومن حجاب إلى حجاب حتى لم يكن بينه وبينه إلاّ حجاب واحد.وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا مكّي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر قال: حدَّثنا أسباط عن عطاء بن السائب عن ميسرة {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قال: قرّبه حتى سمع صريف القلم، والنجيّ: المناجي كالجليس والنديم.{وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} وذلك حين سأل موسى ربّه عزّ وجلّ فقال: {واجعل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي} [طه: 29-30] وحين قال: {فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} [الشعراء: 13] فأجاب الله دعاءه.{واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ} يعني ابن إبراهيم {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد} كان إذا وعد أنجز، وذلك أنّه وعد رجلًا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى يرجع إليه الرجل، قاله مقاتل، وقال الكلبي: انتظره حتى حال الحول عليه. {وَكَانَ رَسُولًا} إلى قومه {نَّبِيًّا} مخبرًا عن الله سبحانه.{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} يعني قومه وكذلك هو في حرف ابن مسعود {بالصلاة والزكاة وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} صالحًا زاكيًا.{واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ} وهو جدّ أبي نوح، فسمّي إدريس لكثرة درسه الكتب، واسمه أخنوخ وكان خيّاطًا، وهو أوّل من كتب بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من تكلّم في علم النجوم والحساب {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًَّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} يعني الجنة.وقال الضّحاك: رفع إلى السماء السادسة، وقيل: الرابعة.أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني وشعيب بن محمد البيهقي قالا: أخبرنا مكي بن عبدان التميمي قال: حدَّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدَّثنا روح قال: حدَّثنا سعيد عن قتادة في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} قال: حدَّثنا أنس بن مالك بن صعصعة «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء قال: أتيت على إدريس في السماء: الرابعة».وكان سبب رفعه على ما قاله ابن عباس وكعب وغيرهما أنّه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا ربّ أنا مشيت يومًا فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد؟ اللهمّ خفّف عنه من ثقلها واحمل عنه حرّها، فلمّا أصبح الملك وجد من خفّة الشمس وحرّها ما لا يعرف، فقال: يا ربّ خلقتني لحمل الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال: أما إنّ عبدي إدريس سألني أن اخفّف عنك حملها وحرّها فأجبته، فقال: يا ربّ اجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلّة، فأذن له حتى أتى إدريس وكان يسأله إدريس فكان ممّا سأله أن قال له: أُخبرت أنّك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فازداد شكرًا وعبادة، فقال الملك: لا يؤخّر الله نفسًا إذا جاء أجلها قال: قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي، فقال: نعم أنا مكلّمه لك فما كان يستطيع أن يفعل لأحد من بني آدم فهو فاعله لك، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثمّ أتى ملك الموت فقال: حاجة لي إليك، فقال: أفعل كلّ شيء أستطيعه قال: صديق لي من بني آدم تشفّع بي إليك لتؤخّر أجله قال: ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت فيقدّم في نفسه، قال: نعم، فنظر في ديوانه وأخبر باسمه فقال: إنك كلّمتني في إنسان ما أراه يموت أبدًا، قال: وكيف؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، قال: إنّي اتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فما أراك تجده إلاّ وقد مات، فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء، فرجع الملك فوجده ميّتًا. وقال وهب: كان يرفع لإدريس كلّ يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجبت منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربّه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم، وكان إدريس صائمًا يصوم الدهر، فلّما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس فقال له الليلة الثالثة: إنىّ أُريد أن أعلم من أنت، قال: أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك فأَذن لي، قال: فلي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تقبض روحي، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اقبض روحه، فقبض روحه وردّها الله عليه بعد ساعة.قال له ملك الموت: ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق كرب الموت وغمّته فأكون له أشدّ استعدادًا، ثم قال إدريس له: لي إليك حاجة أُخرى، قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجّنة وإلى النار، فأذن الله له في رفعه إلى السماوات، فلمّا قرب من النار قال: حاجة قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكًا حتى يفتح لي بابها فأردها، ففعل ثمّ قال: فكما أريتني النار فأرني الجّنة، فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنّة، ثم قال له ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرّك فتعلّق بشجرة وقال: لا أخرج منها، فبعث الله ملكًا حكمًا بينهما ينظر في قولهما فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} [آل عمران: 185] وقد ذقته، وقال: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] وقد وردتها، وقال: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] فلست أخرج، فأوحى الله سبحانه إلى ملك الموت: دخل الجنة وبأمري يخرج، فهو حيّ هناك فذلك قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.{أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} في السفينة {وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} إلى الإسلام {واجتبينآ} على الأنام {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن} يعني القرآن {خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا} جمع باك تقديره من الفعل فعول مثل ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود، جمع على لفظ المصدر، نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عبد الله سّلام وأصحابه. اهـ..قال الزمخشري: . [سورة مريم: آية 34]. {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}.قرأ عاصم وابن عامر {قَوْلَ الْحَقِّ} بالنصب. وعن ابن مسعود: {قال الحق}، و{قال اللّه}- وعن الحسن: {قول الحق}، بضم القاف، وكذلك في الأنعام {قَوْلُهُ الْحَقُّ} والقول والقال والقول بمعنى واحد، كالرهب والرهب والرهب. وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر، أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف. وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة اللّه، وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الثبات والصدق، كقولك: هو عبد اللّه حقا. والحق لا الباطل، وإنما قيل لعيسى (كلمة اللّه) و(قول الحق) لأنه لم يولد إلا بكلمة اللّه وحدها، وهي قوله كُنْ من غير واسطة أب، تسمية للسبب باسم السبب، كما سمى العشب بالسماء، والشحم بالنداء ويحتمل إذا أريد بقول الحق عيسى، أن يكون الحق اسم اللّه عزّ وجل، وأن يكون بمعنى الثبات والصدق، ويعضده قوله: {الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} أى أمره حق يقين وهم فيه شاكون {يَمْتَرُونَ} يشكون. والمرية: الشك. أو يتمارون: يتلاحون، قالت اليهود: ساحر كذاب، وقالت النصارى: ابن اللّه وثالث ثلاثة. وقرأ على بن أبى طالب رضى اللّه عنه: {تمترون}، على الخطاب. وعن أبىّ بن كعب: {قول الحق الذي كان الناس فيه يمترون}.. [سورة مريم: آية 35]. {ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}.كذب النصارى وبكتهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه، وأنه مما لا يتأتى ولا يتصور في العقول وليس بمقدور عليه، إذ من المحال غير المستقيم أن تكون ذاته كذات من ينشأ منه الولد، ثم بين إحالة ذلك بأن من إذا أراد شيئا من الأجناس كلها أوجده بكن، كان منزها من شبه الحيوان الوالد. والقول هاهنا مجاز، ومعناه: أنّ إرادته للشيء يتبعها كونه لا محالة من غير توقف، فشبه ذلك بأمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور الممتثل.. [سورة مريم: آية 36]. {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)}.قرأ المدنيون وأبو عمرو بفتح {أن}. ومعناه: ولأنه ربى وربكم فاعبدوه، كقوله: {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} والأستار وأبو عبيد بالكسر على الابتداء. وفي حرف أبىّ: {إن اللّه}، بالكسر بغير واو، و{بأن اللّه}، أي: بسبب ذلك فاعبدوه.. [سورة مريم: آية 37]. {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}.{الْأَحْزابُ} اليهود والنصارى عن الكلبي. وقيل النصارى لتحزبهم ثلاث فرق: نسطورية ويعقوبية وملكانية. وعن الحسن: الذين تحزبوا على الأنبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس {مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أى من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من مكان الشهود فيه وهو الموقف. أو من وقت الشهود، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر وسوء الأعمال. أو من مكان الشهادة أو وقتها. وقيل: هو ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه.
|